الاثنين 11 سبتمبر 2023 | 01:04 م

عميد أصول الدين جامعة الأزهر يناقش الأفكار المتطرفة تهدد السلم والأمن المجتمعي

عميد أصول الدين جامعة الأزهر طنطا عميد أصول الدين جامعة الأزهر طنطا
شارك الان


أكد الدكتور أحمد أبو شنب، عميد كلية أصول الدين والدعوة بطنطا، أن الأفكار المتطرفة تهدد  السلم والأمن المجتمعي. 

وأوضح خلال كلمته الافتتاحية في المؤتمر  الدولي الثالث الذي تنظمه الكلية بالتعاون مع مجمع البحوث الإسلامية تحت عنوان: (جهود المؤسسات الإسلامية في معالجة القضايا الفكرية والاجتماعية في الواقع المعاصر.. التحديات والآمال) والذي يقام برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وفضيلة الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، والدكتور محمود صديق، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، وتستضيفه كلية القرأن الكريم بطنطا،برئاسة الدكتور عبد الفتاح خصر عميد الكلية،أن  هناك ثمة إشكالات عدة طفت على الساحة الفكرية الإسلامية والعالمية في مجال الرأي والفكر هددت السلم والأمن الاجتماعيين، وأشاهت وجه الحق، ونالت من أصالة اليقين بضبابيتها المتكاثفة في القديم والحديث، وتتمثل في: إشكالية التراث بين الهوية والأدلجة التجريدية أو الدمجية الثائرة على القيم التراثية الدينية والفكرية والمنهجية، وإشكالية الصراع على ملكية التراث وقراءاته بين رؤى ظاهراتية وأخرى تفسيرية فُتِحت فيها دائرة التأويل بين توهة اللاواعي وتعسف التأويل لدرجة فُتِقت فيها قيود النصوص فَتقًا بترصدٍ مسبَقٍ أخرجها عن مضمونها وفرَّغَها من محتواها، بجانب إشكالية احتدام الصراع بين الاتجاهات الأصالية والتحررية الحداثية من جانب، ومن جانب آخر بين الاتجاهات الأصولية - بمفوهمها الغربي - والاتجاهات التجديدية في الوسط الإسلامي، والتي حاولت تهميش الدور الريادي للأزهر الشريف في التفاعل مع تلك القضايا الفكرية والاجتماعية المتحدِّية ومعالجتها.

وأشار عميد كلية أصول الدين بطنطا إلى أنه يجب إبراز جهد الأزهر الشريف كراع وسطي أمين للتراث الإسلامي بدراساته النقدية لبعض مفاهيم موضوعية سطت على التراث أو دسُّت فيه عن عمد من قِبل فِرقٍ واتجاهات غيرِ أمينة تعمدت إفراغ رؤاها في دَلْو التراث؛ لتشوه قيمه ولتعكر صفوه، أو لتزاحمَه وجودَه المنضبطَ الراشدَ، لافتا إلى أن هذا الأمر استدعى من الأزهر الشريف جامعا وجامعة
الاضطلاع بدور عظيم فائق في أطروحاته الدعوية والفكرية والعلمية على مسار تاريخي مطَّرد مثَّل جسرا قويما تعبر عليه قيم التراث الراشد إلى المعاصَرَة لاستيعاب القضايا العلمية والفكرية المتحديةِ الناجمةِ عن مناهج العلم التجريبي القائم على أصالة الحس والمشاهدة والاستنتاج في إطار تجريديٍّ إقصائيٍّ للغيب بإطلاقٍ، وذلك من خلال تصحيح المفاهيم المغلوطة والمصادمة لأصول الدين وفروعه وقيمه ومبادئه، والناقضة لإجماع الأمة. 

وبين عميد كلية أصول الدين أنه على مسار  آخر قام بقبول ما توافق مع الإسلام وقيم تراثه العلميِّ من الأطروحات العلمية والفكرية التجريبية في دعم اليقين وترسيخ الاعتقاد من خلال رؤى فكرية وتشريعية واعية أمينة ومنضبطة، لمقاومة الفكر الإلحادي وفلسفاته. 

وأوضح عميد الكلية أنه مما لا ريب فيه أن الله تعالى فتح آفاق الفكر أمام العقل؛ للنظر في شواهد الملك ودلالاته الملكوتية، تأملًا وتصورًا ونظرًا وتحليلًا وقياسًا واستنتاجًا وترْسيخًا لليقين، وتحقيقًا للإيمان الخالص بالله تعالى ما دام لم يتجاوز العقل حدود إدراكه، فيتيه في غياهب المجهول، الذي لا يصدُرُ عنه إلا تخمينات وخروصات ومظنونات لا تروي نهمًا ولا تؤسس لاعتقاد صحيح، وإن معتقدا لا دليل على صحته ليس إلا ضربًا من الوهم ودركا من التيه والغَيِّ، لافتا أن هناك عقولا من قديم الزمان وحديثه في حِقبه المتراكمة والمعاصِرة مرَقَت في تأملها ونظرها عن الضابط فحكَّمت في نص الوحي الإلهي الحكيم العقل البشريّ المجرّد، وأخضعَته لمقاييسَ عقليةٍ بحتةٍ ومعايير حداثيةٍ مهيضةَ الفكرة، مبتسرةَ الأمشاج فاسدةَ الأجنَّة، لا تصبر على نقد، ولا تقوم على قدم فتشظَّت بأسًا، وتاهت يأسًا، وانقلبت على عَقِبها رأسًا، فنقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا يتخذون الإنكار دَخلا بينهم وأيمانهم حجة على معتقد لم يقم عليه دليل، وليس الدينُ الحقُّ بأمانِيِّ هؤلاء ولا بأمانِيِّ أولئك.

وقال: إن العقل البشري القاصر والجانح قد حكم في غُضون مشاهد القرن المنصرم والآنيِّ - في فهم آي القرآنِ الكريم نظرياتٍ افترضَها بلا حُجٍّة ولا بيِّنة، ثم فرضها بلا فهم، ونظَّرَ لها بضَحالةِ تصوُّرٍ، وعِيِّ مَنطِقٍ، وسفاهةِ رأي. فلم يتولد عنها إلا مبتسراتُ الرأي، وتخبطاتُ الفكر، وإن جادلتَ زاعِميها رأيتَ عقولهم لا تتجاوز حباتِ رمال على أرض يقفون عليها بينما يخالون رؤسهم تناطحُ عنانَ السماء، مفتونين بنظرياتِهم وآرائهم، وقد خلعوا عليها أوصافَ الاستنارة والرُّشد!.

 مشيرًا إلى أنه على جانب آخرَ تجِدُ آخرين تعنتوا، أو تشددوا، فرَّطوا أو أَفرطوا في فهم النصوص المصدرية ظانِّين أنهم على الحق المبين، وأن من سواهم على باطلٍ أثيم، وهُم لم ترْقَ عقولُهم إلى رأيٍ سديد، وفقهٍ رشِيدٍ فألبسوا حقًّا بباطلَ وباطلًا بحق، وصوابا بخطأٍ، أو خطأً بصواب. 

مبينا أنه بين هذه التوجهات النُّزُوعيَّة وتلك وقف الأزهر الشريف والمؤسساتُ الدينيةُ المنضبطةُ، المنتهجةُ نهْجَه، المُقْتفيَةُ أثرَه ترُد النفوسَ إلى الهُدى وتبيِّنُ للعقولِ دَلالاتِ الحق بمنهج وسطيٍّ معتدلٍ ينكِر الإفراط والتفريط، موقِنًا بحرية الفِكرِ ما استقام لضابط واهتدى بدليل، إنها حريةٌ مبتداها الحقُّ وسقفُها اليقين، والله تعالى يقول: ﴿قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: ١٠١].

وأوضح أنه على صعيد آخر طفت على الساحة الفكرية المجتمعية نظرياتٌ اجتماعيةٌ فلسفيةٌ تدعم انعتاق العقل من الضابط باسم حرية التنظيم الاجتماعي، وتجرد السلوك من القيم الفطرية بدعوى حق المثلية؛ تقنينًا للشذوذ، وانحرافًا عن فطرة الله التي فطر الناس عليها، وتدعم التمرد على المجتمع، وتدمير بنيته وإتلاف مقدَّراته، وتثير المجتمعات على حكوماتها وأنظمتها، وإفساد لُحمة النسيج الوطني، وإعطاب سُدَاه لخدمة أهداف استعمارية صهيونية ماسونية عالمية تتسربلُ بوشاح الدين تبيح الدم الذي حرم الله إلا بالحق، فتقتلُ أفراد المجتمع، لا تفرق في ذلك بين فرد وجماعة، ولا تحترم العلاقة التعبدية المقدسة لله تعالى، فقُتِل إثر ذلك أبرياءٌ يُصلُّون في مساجدهم دون أن يَرعوا لله تعالى حرمة أو يرجون له تعالى وقارًا، وما حدث في مسجد "بئر العبد" ليس منكم ببعيد. وقد نُحِرَ آخرون على شواطئ بحرٍ لا  أخالُه إلا غاضبًا عليهم، وعلى بقعةٍ من الأرض أحسبها تلعنهم، كل ذلك على مرأًى ومسمَع من العالم، وقد تعجب أن ترى أنه قد أنّت على قتلهم قلوبُ من لا يؤمنون في حين اجترأت على قتْلِهم قلوبُ من يزعُمون أنهم يقاتلون باسم الدين، والدين منهم برَاء، فما أغربَ لوثةَ العقل وما أعقدَ ضلالَ الفهم! وما أبعد العقل عن الهداية وإغرابه في النزوع إلى الضلال.

مضيفًا أن المؤسسات الدينية المعتدلة في العالم الإسلامي الحرِّ يَقدمُهم الأزهر الشريف، بأذرعه المؤسسية المتعددة  وقفت موقفًا جادًّا، يُدافِع عن الإنسان وفطرته ومجتمعه؛ فأبرز من الدين مبادئ العيش المشترك، والترابط الوطني حفاظًا على قوة الدول ونهضتها الحضارية،  وأبرز قيم التعاون الإنساني على الخير، وعلى البر والتقوى، وأن الحياة حق للجميع، وأن ما استأثر الله تعالى به لذاته لا يفسده العبدُ بضلال رأيه، أو بفساد مجتمعه، ودافع عن الفطرة النقية فحارب دعاوى الشذوذ والانحراف عن منهج الله تعالى في شرعة أنبيائه ورسله عليهم السلام.

والأمثلةُ على هذا وذاك أكثرُ من أن تُحصَى، وبالمثال يتضح المقال، وعلى القياس نتائج دَوالِيك، فلْتتأمل ولْتفقه ولْتعتبر، والله تعالى يقول: ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [الحشر: ٢] دليلا على النظر والقياس؛ لهذا وذاك انعقد عزم الكلية المباركة على عقد هذا المؤتمر؛ لإبراز جهود المؤسسات الدينية ويقدمها الأزهر الشريف جامعا وجامعة في مواجهة تلك التحديات الفكرية والاجتماعية، وتحقيقا لأمن المجتمع وسلامته، وتحقيقا لمقاصد الشريعة الإسلامية.

 هذا وأتقدم بخالص الشكر وعظيم التقدير إلى فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الأستاذ الدكتور أحمد الطيب؛  ولفضيلة الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر؛ لرعايتهما الكريمة لهذا المؤتمر .